يشرح تيموثي هوبر أنّ قادة الولايات المتحدة وإسرائيل، خاصة في عهد دونالد ترامب، أخطؤوا في قراءة الملف النووي الإيراني. فحملة "الضغط الأقصى" والهجوم العسكري المشترك لاثني عشر يوماً لم يؤثرا عملياً في تفكيك القدرات النووية لطهران. إذ بين عامي 2005 و2014 أوجدت إيران واقعاً لا رجعة فيه عبر إطالة أمد المفاوضات مع القوى الكبرى واستغلال الوقت لبناء سلسلة معرفية نووية متكاملة، الأمر الذي غيّر طبيعة التفاوض وأعاد رسم قواعد اللعبة الدبلوماسية.

ويشير المصدر، ميدل إيست مونيتور، إلى أنّ إيران لم تكتفِ باستيراد البنية التحتية النووية كما فعلت دول مثل العراق أو ليبيا، بل ركّزت على توطين المعرفة العلمية. فأنشأت أقسام الفيزياء النووية في الجامعات، وخرّجت أجيالاً من الباحثين، وطوّرت خبرتها الخاصة في مجالات الهندسة والبحث. لهذا السبب اتجهت إدارة باراك أوباما إلى إستراتيجية الاحتواء والرقابة الصارمة عبر وكالة الطاقة الذرية، بينما اعتمدت إدارتا جورج بوش وترامب نهج التجميد أو التفكيك الكامل للبرنامج النووي.

عرفت إسرائيل أنّ المعرفة النووية الإيرانية المتراكمة أخطر من مجرد أجهزة طرد مركزي، ولذلك قاد رئيس الموساد الأسبق مئير داغان حملة سرية هدفت إلى عرقلة هذه الدورة المعرفية. بدأ ذلك بتطوير فيروس "ستاكسنت" لتعطيل أجهزة التخصيب، ثم صعّد عبر اغتيال علماء نوويين إيرانيين. ولأول مرة في التاريخ الحديث سعت دول متحالفة لقمع المعرفة العلمية لدولة أخرى بشكل منظم. ومع ذلك، رغم أكثر من عقدين من الضغط، لم تحقق هذه السياسة سوى تأجيل قصير الأمد، وظلت إيران قادرة على إعادة البناء واستعادة قدراتها بعد الضربات والاغتيالات.

ويرى الكاتب أنّ خطأ إدارة ترامب الأساسي كان في مساواة حالة إيران بحالات دول أخرى لم تستثمر في المعرفة المحلية. هذا التصور جاء تحت تأثير بنيامين نتنياهو، الذي بنى مسيرته السياسية على تصوير إيران كتهديد وجودي. ومع استمرار القضية النووية يصبح لدى نتنياهو مبرر لتعزيز حضوره السياسي وربط بقائه بالتصدي لطهران. غير أنّ الواقع يُظهر أنّ البرنامج النووي لم يتعرض لعرقلة جوهرية، فالمسؤولون الإيرانيون أعلنوا رفضهم أي صيغة تنهي قاعدة المعرفة أو توقف التخصيب، بينما أبدوا استعداداً لمناقشة حدود لمستويات التخصيب أو إنشاء كونسورتيوم متعدد الأطراف لإنتاج الوقود النووي.

كما يشدّد النص على أنّ الذاكرة الوطنية الإيرانية ما تزال حساسة تجاه التدخل الخارجي. الانقلاب الذي دعمته وكالة الاستخبارات المركزية عام 1953 ضد رئيس الوزراء محمد مصدق ما يزال محفوراً في الوعي الشعبي باعتباره خيانة للسيادة. لذلك، فإن الضغوط الأجنبية تولّد بسهولة موجات مقاومة وطنية، كما حدث بعد الضربات الأخيرة التي وحّدت قطاعات واسعة من المجتمع، حتى المنتقدين للنظام، ضد الهجمات التي استهدفت علماءهم ومنشآتهم.

ويبرز أنّ انتخاب رئيس معتدل العام الماضي يعكس رغبة شعبية في العودة إلى الدبلوماسية. الإيرانيون يرون أنّ الاتفاق القائم على المراقبة الدولية والإطار القانوني أكثر واقعية وأفضل من نهج الاغتيالات والقصف الجوي والقنابل الخارقة للتحصينات. لذلك، من دون مراجعة صريحة لافتراضات واشنطن الخاطئة بشأن طبيعة المسار النووي الإيراني، سيبقى أي اتفاق مستقبلي بعيد المنال.

هكذا يخلص هوبر إلى أنّ القوة الخشنة لم تغيّر حقائق المعرفة التي رسّختها إيران، وأن الطريق الوحيد القابل للحياة هو الاعتراف بالواقع الجديد والتفاوض على أساسه، بدلاً من مطاردة أوهام التفكيك الكامل.
https://www.middleeastmonitor.com/20250817-irans-nuclear-development-and-the-limits-of-coercive-strategy/